"فايننشيال تايمز": ساعات العمل القصيرة في ألمانيا تُهدد نمو الاقتصاد

فريدريش ميرتس يطرح حلولاً

"فايننشيال تايمز": ساعات العمل القصيرة في ألمانيا تُهدد نمو الاقتصاد
المستشار الألماني فريدريش ميرتس

 

 

تواجه ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا، تحديًا ديموغرافيًا واقتصاديًا حادًا يتمثل في تضاؤل القوى العاملة وسط ارتفاع نسبة المتقاعدين وقصر متوسط ساعات العمل للفرد.

ووفقاً لتقرير نشرته "فايننشيال تايمز"، اليوم الأحد، يسعى المستشار فريدريش ميرتس إلى معالجة هذا التحدي عبر تحفيز المواطنين على زيادة ساعات عملهم، لكنه يقف أمام مفارقة معقدة: رغم وصول معدلات التوظيف إلى مستويات قياسية، إلا أن متوسط ساعات العمل لكل موظف يعد من الأقصر بين الدول المتقدمة.

مواجهة التقاعد الجماعي

تتوقع التقديرات أن يتقاعد نحو 4.8 مليون عامل ألماني بحلول عام 2035، ما يمثل 9% من القوى العاملة الحالية، يفرض هذا الأمر على الحكومة الجديدة الائتلافية بقيادة فريدريش ميرتس إقناع الأجيال الشابة بالعمل لفترات أطول لتعويض هذا النقص الحاد، يمثل هذا الاختبار نموذجًا حيويًا لكيفية تأقلم الاقتصادات الغربية مع شيخوخة السكان والتحديات الاقتصادية المصاحبة لها.

يرتكز برنامج ميرتس للنمو على خطة إنفاق ضخمة تبلغ قيمتها تريليون يورو، تمولها الديون، لكن الاقتصاديين يحذرون من أن ضخ الأموال وحده لن يحل المشكلة الأساسية التي تكمن في نقص اليد العاملة.

أشار رئيس مركز أبحاث سوق العمل Ifo، كليمنس فويست، إلى أن زيادة الأموال لا تعني بناء بنى تحتية بدون عمال مؤهلين قادرين على تنفيذ المشاريع.

سوق العمل الألماني

أكد مدير مركز أبحاث سوق العمل IAB، بيرند فيتزينبرغر، أن سوق العمل في ألمانيا يتمتع بخصوصيات فريدة تجعله بعيدًا عن وصفه بالتكاسل، شهد عام 2024 ارتفاعًا تاريخيًا في عدد ساعات العمل الإجمالية وعدد العاملين، مدعومًا بزيادة هجرة العمال الأجانب التي تضاعفت تقريبًا خلال العقد الماضي لتصل إلى 6.3 مليون، حيث يعمل 80% من الأشخاص في سن العمل.

انخفض متوسط ساعات العمل لكل موظف إلى أدنى مستوياته، باستثناء عام 2020 الذي شهد اضطرابات بسبب جائحة كوفيد-19، تظهر بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن ألمانيا تمتلك أقصر متوسط ساعات عمل أسبوعية بين الدول الغنية، ينتج عن ذلك ضغوط متزايدة في قطاعات مثل الصحة والتعليم والهندسة، حيث نقص العمالة واضح ومتزايد.

التوقعات الاقتصادية القاتمة

أعرب عضو مجلس الخبراء الاقتصاديين الحكومي، مارتن فيردينغ، عن قلقه من أن ضعف سوق العمل سيخفض إمكانات النمو السنوي حتى 0.6 نقطة مئوية خلال العقود المقبلة، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الألماني الذي يعاني من ضعف النمو أصلاً.

يُعد فريدريش ميرتس، البالغ من العمر 69 عامًا، ثاني أكبر مستشار في ألمانيا عند بدء ولايته بعد كونراد أديناور، قد يكون هو نفسه نموذجًا في العمل لفترات طولى، لكنه يواجه صعوبة في إقناع المجتمع الألماني، الذي اعتاد على أسابيع عمل قصيرة وعطلات طويلة.

جذور تقليص ساعات العمل في ألمانيا

تعكس علاقات العمل في ألمانيا تاريخًا نقابيًا طويلًا شهد حملات من أجل تقليص ساعات العمل، من أشهر الشعارات في خمسينيات وستينيات القرن الماضي: "يوم السبت، أبي ملكي"، وفي الثمانينيات، شهدت البلاد إضرابات طويلة للمطالبة بتقليل أسبوع العمل من 40 إلى 35 ساعة، وأصبحت الاتفاقيات الجماعية تُحدد ساعات العمل عند متوسط 37.8 ساعة أسبوعيًا.

شهد متوسط ساعات العمل انخفاضًا بنسبة 13.5% منذ بداية التسعينيات، مع تحركات سياسية مثيرة للجدل مثل تصريحات المستشار هيلموت كول عام 1993 التي انتقد فيها ما عده "مدينة ملاهي جماعية".

ورغم محاولة رفع سن التقاعد إلى 67 عامًا عام 2007 من قبل حكومة أنجيلا ميركل، فإن هذه الخطوة بقيت غير محبذة بين الناخبين.

التزم الائتلاف الحاكم بقيادة ميرتس والاشتراكيين الديمقراطيين بتقديم حوافز لتحفيز زيادة ساعات العمل وتأجيل التقاعد، لكن الأوساط الاقتصادية ترى أن الأفكار لا تزال غير واضحة وتواجه تحديات كبيرة في التنفيذ.

يقول أستاذ الاقتصاد بجامعة ميونيخ، أندرياس بايشل: "الأفكار قد تكون إما غير فعالة أو مكلفة للغاية أو بيروقراطية معقدة".

ارتفعت نسبة العمل بدوام جزئي إلى أكثر من 30% من القوى العاملة، مدفوعة بشكل رئيسي بزيادة مشاركة النساء، لكن هذا النمو في العمل الجزئي يؤثر في متوسط ساعات العمل لكل موظف ويخفضه، ,رغم ذلك، يعبر كثيرون عن رغبتهم في زيادة ساعات العمل، لكن يواجهون عقبات مثل ضعف نظام رعاية الأطفال، خاصة في المدن الكبرى.

صعوبات في رعاية الأطفال

تشير شهادات مثل إينا شميدت، موظفة في مجال الصحة النفسية للأطفال في ميونيخ، إلى أن محدودية رعاية الأطفال بدوام كامل تؤثر سلبًا في إمكانية زيادة ساعات العمل.

وأكدت ستيفاني بوغيمولر، مؤسسة مجموعة "العمل والأسرة"، أن نقص دعم رعاية الأطفال يمثل أحد أكبر التحديات التي تواجه الأمهات الراغبات في العودة إلى العمل بدوام كامل.

تنظر الحكومة في خيارات عدة لزيادة الإنتاجية، منها تقليل أيام العطل الرسمية التي قد تصل إلى 13 يومًا سنويًا، قد توفر هذه الخطوة 8 مليارات يورو إضافية في الناتج المحلي، لكنها تواجه رفضًا شعبيًا.

كما تعد زيادة سن التقاعد وزيادة الاستقطاعات على المتقاعدين المبكرين من الإجراءات المحتملة، لكنها محفوفة بالأخطار السياسية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية